4 May, 2024
محمود عثمان رزق
05/03/2024
مفهوم الشعوب السامية مفهوم قديم ظهر بعد إعادة كتابة التوراة التي جاء فيها أن تلك الشعوب او تلك القبائل تنسب إلى سام بن نوح عليه السلام وفقاً لسفر التكوين، ويقصد بالساميين بصورة أساسية الشعوب الساكنة في شبه الجزيرة العربية، كالعراق والاردن وسوريا ولبنان وفلسطين، وأضاف لهم علماء التاريخ الإسلامي الفرس والروم وهي شعوب تسكن خارج الجزيرة العربية. ومصطلح السامية كما هو واضح خبر توراتي بامتياز لا أصل له في القرآن الكريم ولا الإنجيل بالرغم من اتفاق هذه الأديان الثلاثة على مسألة الطوفان مع اختلاف علمائها حول تفاصيله.
وفي الحقيقة لم تنزل الكتب السماوية لتكون سجلاً لأسماء المواليد والأسر والأنساب والقبائل. فالأسماء التي ذكرت فيها مثل أسماء الأنبياء والطغاة ذكرت لضرورة قصوى لتوثيق قصص تاريخية متعلقة بقبول ورفض الرسل والرسالات وما يتبعها من صراع بين الحق والباطل، ولم يذكر أي اسم -إن كان اسم شخص أو قبيلة أو أمة - لغير هذا السبب.
ولهذا السبب نقول: إن خبر قصة أبناء نوح وأسمائهم وأسماء القبائل التي تنتسب لهم هو خبر لا إجماع عليه حتى بين الكتب الثلاثة والملل الثلاثة. وورود أسماء قبائل وأشخاص بهذه الكثافة في سفر التكوين دليل واضح على أنّها إضافة للأصل المفقود وليس منه، والدليل على ذلك أن هذه الأسماء وتلك القبائل غند فحصها لا تجد لها علاقة بموضوع الرسالة الموسوية في حد ذاتها، وبالتالي هي حشو لا فائدة منه، وتعالى الله عن الحشو واللغو علواً كبيرا. وسفر التكوين بالذات عليه كثير من الإنتقادات والملاحظات العلمية لأنّه يذكر أخباراً وحوادث حدثت بعد وفاة موسى بقرون وهذا شيء عجاب!. وعلى كلٍ، هناك خلاف كبير جداً في تفاصيل الطوفان بين علماء الأديان الثلاثة، فمنهم من قال كان في منطقة بعينها ولقوم بعينهم هم قوم نوح، ومنهم من قال شمل الطوفان كل الأرض وكل الأجناس؟ ولا أحد يدري الحقيقة.
فإذن خبر أن الشعوب البشرية انبثقت من أبناء نوح الثلاثة وانقسمت الى سامية وحامية ويافثية، هو خبر إنفرد به سفر التكوين في التوراة التي كُتبت بعد إنقضاء فترة السبي البابلي، وهي الفترة التي فقد فيها اليهود النسخة الأصلية من التوراة ثم عاود أحبارهم كتابتها من ذاكرتهم ومن بعض كُراساتهم وقُصاصاتِهم. وهذا الخبر من حيث هو خبر يخضع -وفقاً لقوانين حرية الرأي القانونية والدستورية- للفحص العلمي الأكاديمي لإثباته ومن ثمّ تأييده والبناء عليه، أو تفنيده ومن ثمّ رفضه وهدم كل ما يبنى عليه.
أما مصطلح "معاداة السامية" هو مصطلح أوروبي حديث إنبثق كرد فعل لكراهية ومناهضة شعوب أوروبا الغربية المسيحية في القرن التاسع عشر لليهود. وتعود أصول معاداة المجتمعات المسيحية لليهود الساميين لقصة صلب المسيح عليه السلام واضطهاد تلاميذه وفقاً لمعتقداتهم، ويستند المسيحيون في ذلك على إعتراف اليهود التاريخي أثناء محاكمته بقولهم: «دمه علينا وعلى أولادنا» مما يدل على قتلهم له. وفي الحقيقة اتهم المسيحيون اليهود بتهم كثيرة وتاريخية بعضها قديم والآخر حديث أكبرها محاولة الصلب كما ذكرنا. وبسبب هذه التهم تحرك اليمين الديني المتطرف في أورويا بطردهم من معظم دول أوروبا الغربية إلى دول شرق ووسط أوروبا وبعض بلاد المسلمين والعرب، كالمغرب واليمن وفلسطين وغيرها. ومن الغريب أن نفس اليمين المتطرف الذي طردهم بالأمس هو من يدافع عنهم اليوم!!
وبصورة أكثر دقة نقول قد ظهر المصطلح لأول مرة في ألمانيا في عام 1860 على لسان العالم اليهودي النمساوي المستشرق/ مورتيتز ستاينشنايدر عندما إجتاحت أوروبا عامة وألمانيا خاصة موجة عنيفة من الكراهية لليهود تستند على نظريات عنصرية تدعي العلمية لعبت دوراً هاماً في السياسات التي أدت لحروب ومذابح أوروبية عنيفة. وقد كان الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان أحد قادة هذه الحملات العرقية عندما صرح بنظريته التي تقول بتفوق الجنس الأري الأوربي على الأجناس السامية وغيرها من الأجناس في أنحاء المعمورة. كما قام أيضاً المؤرخ الألماني هنريك فون تريتشك بجهود كبيرة لتعزيز هذا المفهوم العنصريّ، فصاغ عبارة «اليهود هم مصيبتنا» التي اُسْتُخْدِمَها النازيون لاحقاً للتخلص من اليهود في المحرقة المعروفة..
وعندما وصل الحزب النازي للسلطة في عام 1933، قاد مقاطعة معادية لليهود وأمر بحرق كتبهم وسنّ قوانيناً معادية لهم ضيقت عليهم حلقة الحياة في ألمانيا. وفي عام 1935 شرعت النازية قوانين جديدة تحدد اليهود وفقاً لمفهوم الدم والعرق لتسهيل حصرهم ومن ثمّ فصلهم من الجنس «الآري» وبهذا تمّ تقننين مفهوم التفاضل العنصري في البلاد. وفي عام 1938، قام النازيون بحملة عنيفة ضد اليهود دمرت معابدهم ومتاجرهم وممتلكاتهم في كلٍ من ألمانيا والنمسا، وكانت تلك الحوادث العنيفة الإرهابية بداية الطريق للإبادة الجماعية وأصبحت معاداة السامية اليهودية شغل النازيين الشاغل.
و"على الرغم من أنّ المصطلح لم يكن مستخدماً بشكلٍ شائعٍ حتّى القرن التاسع عشر، إلّا أنّه ينطبق أيضًا على الحوادث التاريخية المعادية لليهود )بأثر رجعي(. ومن الأمثلة البارزة على الاضطهاد الذي تعرّض له اليهود مجازر راينلاند التي سبقت الحملة الصليبية الأولى عام 1096، ومرسوم الطرد من إنجلترا عام 1290، ومذابح اليهود الإسبان عام 1391، وملاحقات محاكم التفتيش الإسبانية، وطردهم من إسبانيا عام 1492، ومجازر القوزاق في أوكرانيا من 1648 إلى 1657، ومذابح اليهود العديدة في الإمبراطورية الروسية بين عامي 1821 و 1906، وقضيّة دريفوس 1894-1906 في فرنسا، والمحرقة في أوروبا التي كانت خلال الحرب العالمية الثانية، والسياسات السوفيتية المعادية لليهود" { راجع قوقل}
وللأسف أصبحت النظريات العنصرية حول الإستعلاء العرقي والحضاري منتشرة على نطاق واسع جداً في أوروبا الغربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم أضفى إليها الحزب النازي الذي أسسه هتلر عام 1919، بعدًا سياسيًا شجع الألمان على إخراج اليهود من ألمانيا بعد أن اتهمتهم "حركة الوحدة الألمانية" بأنهم أجانب غير ألمان يجب الحذر منهم. وفي الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، شكلت الأحزاب السياسية الأوربية التي نزعت نحو فكرة القومية الحديثة خاصة في ألمانيا وفرنسا والنمسا دورًا قويًا في ظهور معاداة السامية السياسية، حيث اتهم أعضاؤها اليهود بأنهم مواطنون غير مخلصين لأوطانهم، وذلك بعد نشر بروتوكولات حكماء صهيون التي عكست حجم المؤامرة اليهودية الدولية عليهم كما يقولون.